يومكم سعيد بالخير والعافية والصحة

vendredi 27 juillet 2012

رمضان القيروان ... مذاق فائق وسحر رائق



  فرح الكل في القيروان بحلول شهر رمضان وانطلقت ألسنتهم بتهنئة العائلة والأقارب والأصدقاء سواء مباشرة أو بالمهاتفة أو بالتزاور مرددين عبارة  " رمضانكم مبروك  "  وتعني أن تكون أيام شهر رمضان  بعواشره الثلاثة  مباركة عليهم جميعا وهي عشر الرحمة، وعشر المغفرة، وعشر العتق من النار.
  ويعدّ شهر رمضان ضيف كريم يمنح الجميع فرصة للتقارب والصلة بين الأرحام بعد الفراق والانقطاع وله قدرة عجيبة على تغيير سلوكات  الناس وعاداتهم اليومية .فلا عجب أن ترى المحبة ومباهج الفرح والسرور تعلو وجوه الناس  وتتغير تقاسيم وجوههم المثقلة  بهموم الحياة ومشاكلها...رمضان فرصة تتكرر سنويا للم شمل أفراد العائلات حول مائدة واحدة وإفطار واحد بعد أن فرقهم نمط الحياة العصرية طوال سنة كاملة .
    فقد استعدت العائلات القيروانية بغنيها وفقيرها شأنها شأن كل العائلات التونسية  أحسن استعداد لشهر رمضان المبارك قبل قدومه بأيام عديدة لأنه يمثل بالنسبة لهم شهر بركة وخيرات و يحظى بمكانة خاصة في قلوب الجميع  . فقامت أغلب العائلات وقبل حلوله بأيام بتبييض ودهن منازلهم ومحلاتهم التجارية  وتزيين واجهاتها دون أن ينسوا تبييض قبور الموتى . وسارعت ربات البيوت بترتيب مطابخهن وإخراج أحسن ما لديهن من الأواني والصحون والأطباق المخبئة لمثل هذه المناسبات . وخرجن رغم حرارة الطقس لطلي أواني الطبخ النحاسية وتنظيفها    [ تقصدير ] وصيانة معدات المطبخ وقصدن المطاحن لرحي " عولة السنة والعادة  " كالقهوة والدرع والبسيسة والقمح أو لشراء البهارات والزيتون والثوم والرند والسمن والعسل  و "العظام العربي "  وما يمكن أن تشتهيه العين قبل المعدة  وتقدر على ملئه القفاف .
   ومع حلول الشهر نشطت الحركة المرورية وحركة السير  في كل شوارع مدينة القيروان على غير العادة  فكثر الازدحام والتدافع في الأسواق اليومية والأسبوعية و كثرت طوابير  المتسوقين داخل  المحلات والمساحات التجارية الكبرى  .الكل يريد التزود باحتياطي من المواد الغذائية الضرورية لشهر الصيام وحيازة مواد  يمكن أن تفقد أو تنفذ من السوق لأسباب عدة كالسكر والبيض والحليب والمياه المعدنية ...وأنت مار بالطريق لا ترى سوى أناس محملين بقفاف و" ساشيات " و "كرادن " مملوءة بكل شيء  ...انه الخوف المفتعل و اللهفة المصطنعة يصنعها المواطن فتعود عليه بالوبال بالاحتكار والزيادة في الأسعار والغش في الميزان وفي الصلاحية.
     وأما عن أول أيام رمضان في القيروان فيختص بسحر فياض يعم كل المدينة ويدخل كل البيوت ومذاق فائق لا يعرف سره إلا من يقدر حرمة هذا الشهر. فقد كان متميزا و استثنائيا لأنه الأول بعد الثورة و تزامن وفصل الصيف في  فاحت رائحته في كل مكان من وبدت أجواء المشاعر الدينية عميقة و جلية في مئات المساجد والجوامع المنتشرة والتي تبث تراتيل القرآن وتنظم المحاضرات الدينية.و في رمضان وفي انتظار آذان المغرب للإفطار تهدأ المدينة كليا  لدقائق لتقوم  مجددا على صوت الآذان الصادر عن مئات بيوت الله  معلنا موعد الإفطار .
    وجرت العادة أن يفطر أهالي القيروان على التمر والحليب أو عصير أو " البسيسة"  ثم يؤدون صلاة المغرب ليعودوا بعدها إلى مائدة  الإفطار التي تتميز بنكهة خاصة في رمضان و تعد فيه المرأة القروية أشهى الأطباق وأشهر الأكلات وألذ المرطبات والعصائر القيروانية الخاصة بالشهر الكريم .
   وبعد نصف ساعة تقريبا  من الإفطار تدب يوميا الحركة والحياة مجددا في كل الشوارع ويغدو الليل كالنهار كله , فمن الناس من يخرج للمشي بغاية هضم ما أكل أو للبحث عن البرودة والنسيم والترفيه عن النفس بعد صيام يوم . ومنهم  من يهرول باتجاه المقاهي لاحتساء القهوة وتدخين النرجيلة و حيازة طاولة للعب الورق ومنهم من يقصد المركب الثقافي لمتابعة أحد عروض التظاهرات الثقافية أو السياسية أو الدينية . أما البعض الآخر فيكتفي بالتجول أو الجلوس أمام الدكاكين المغلقة أوفي الساحات العمومية في انتظار قدوم موعد الدروس الدينية و صلاة العشاء وصلاة التراويح  ....وفي مقابل هؤلاء هناك الكثير وخاصة النسوة ممن يتبادلن زيارة الأقارب والأصدقاء للسمر والسهر أو يخيرن.البقاء في المنزل لتنظيف المائدة والمطبخ وإعداد وجبة " السحور" مع الاستمتاع بمشاهدة القنوات الفضائية والاستماع  للإذاعات  وشرب الشاي أو القهوة وتلذذ المرطبات كـ  " الزلابية "و " المخارق "  و" البوزة " و" المحلبية " و" الدرع "...ولن تتوقف هذه الحركية إلا بدقات الطبول في كل الأحياء والتي تحث  الجميع على  العودة  لأخذ السحور قبل حلول موعد آذان الفجر .  
   للعائلة القيروانية الأصيلة عادات نبيلة وتقاليد إنسانية تمس المساكين والمحتاجين في رمضان  من خلال البحث اليومي عن عابر سبيل أو فقير لإطعامه من نفس المائدة التي تأكل منها أو للتصدق عليه بالمال أو الغذاء دون  الحاجة إلى طرق الأبواب والاستجداء...إنها الأجواء الرمضانية الساحرة للقيروان وعاداتها التي تميزها عن بقية المناطق والجهات و يختلط فيها الديني باليومي  والأصيل بالحديث.
                                                                       المراسل : جمال الدين الذهبي 
                                                                     المقال صدر في جريدة الصريح يوم 27 جويلية 2012
Partager

0 commentaires:

 
Design by Wordpress Theme | Bloggerized by Free Blogger Templates | coupon codes